وطنية

محسن مكوار، رجل الأمن الذي سبقه صيته، وغادر بصمت، أسطورة بمعنى الكلمة

من منا من ساكنة الدارالبيضاء، من لا يتذكر رجل الأمن مكوار كضابط، وعميد، وعميد ممتاز، ومراقب عام، حقا فالرجل لا تسعه مجلدات للغوص في مساره المهني، الذي خطط له بالعمل والمثابرة، والنزاهة، والابتعاد عن الشبهات، وكل ما يلطخ سمعته، مما أكسبه ثقة في النفس، وعزة قلما تجدها في كل من يتقلد المسؤولية، فالرجل خدم زي الشرطي بتفاني، وحب صادق في أداء المهام التي تناط له، كيف لا وهو الذي تربى في أسرة فنية ومثقفة، استطاعت أن تزرع في نفسيته أنبل وأصدق المشاعر الإنسانية، وكرهها للظلم والتجبر، فأبوه صحافي وموسيقي مقتدر، ووالدته الطاهرة برلمانية سابقة، وأستاذة جامعية، كل هذا الوسط الذي نهل منه منذ نعومة أظافره، شكل مرتعا خصبا لتكوين شخصيته وميولاته، مما جعله يتخذ القرار الذي يناسب توجهاته، فانخرط مبكرا في سلك الشرطة برتبة ضابط، وتم تعيينه بالدائرة الثامنة لمرس السلطان الفداء، وفي هذا التعيين برزت أولى نجاحاته في التصدي للجريمة، فأصبح اسم مكوار يسبقه لدى الصالح والطالح من الساكنة، الذين تنفسوا الصعداء من حيث التصدي للجريمة، مما جعل أحياء درب السلطان تنعم بالراحة والسكينة، لفترة طويلة في ظل تواجد هذا الأسطورة المحنك، الذي استطاع بوسائله الخاصة، أن يصل إلى أعتى المجرمين والإطاحة بهم، وهم الذين كانوا يعيشون في أبراج عالية، تحت حماية جيوش من المخبرين الذين يسترزقون معهم، لكن الضابط مكوار لم يعرف المستحيل في الوصول إليهم، حيث أن ذكاءه وحسه الثاقب، جعله يتقمص مجموعة من الأدوار، كالتخفي في زي النساء، أو بائع الماء، والكثير من الحيل يعجز اللسان عن سردها دفعة واحدة، فهذه السياسة المتخفية التي استعملها جعلت الرؤوس تسقط الواحدة تلو الأخرى، مما جعل جل أحياء درب السلطان الفداء، تنعم بالراحة والسكينة بفضل الله، ومجهوداته الجبارة، التي يشهد بها المواطنين، قبل زملاءه في حقل الشرطة، إلا أن المدهش حقا هو ما تجلى في إدارة الأمن الوطني التي ألحقته بمقر الشرطة القضائية، وما أدراك ما هذا المجال الخطير من حيث القضايا والتدخلات، وفك لغز الجرائم، فهنا كذلك بزغ نجمه واستطاع أن يصل إلى حل قضايا يعجز المرء عن الوصول إلى نتائج، لكن مكوار الشرطي المتمرس أبان عن حنكة واستحقاق، في هذا القسم، مما جعله يحرق المراحل ليصل إلى رتبة عميد ممتاز، ونظرا لبعد نظر إدارة الأمن الوطني، قررت أن تنقله إلى مدينة مراكش، التي تعتبر بوابة المغرب السياحية، ونظرا لانتشار الجريمة، كان رأيها سديدا، حيث منذ حله بالمدينة الحمراء، أصبحت تنعم بالهدوء، ومحاربة الجريمة بشتى أنواعها، فكان الرجل لا يغادر مكتبه، إلى الشوارع، إلا وتكون قضية ما تنتظر الحل، فلا يغادر المكان حتى يكون ملفها قد طوي، فشخصيته القوية كما يذكر لي أحد الأصدقاء، أنه بمجرد وقوفه في مكان الحادثة أو الجريمة، حتى يسارع المجرم إلى تقديم نفسه، لإحراق المراحل، لأنه يعرف ما ينتظره إذا لم يقدم نفسه في تلك اللحظة، هذه مجرد أخبار حصلت عليها من بعض الجانحين، الذين ما زالوا يتذكرون عصر محسن مكوار الذي لا يعرف صديقا في العمل، فالكل سواسية، والقانون فوق الجميع.

لكن ما يحز في النفس أن محسن مكوار، حصل على التقاعد برتبة مراقب عام، فأمثال هؤلاء يجب أن تسند لهم مهام التدريس بنوادي الشرطة، ولا سيما القضائية التي تعتبر علما يدرس، ويلقن بالتجربة والبحث والدراسة، فمحسن مكوار الشرطي غني عن التعريف، ويجب تكريمه على أعلى المستويات، وأن لا نترك بصماته يطويها النسيان، كما طوى الكثير، لذلك أملنا في الإدارة العامة للأمن الوطني، أن تفتح ملف العميد مكوار، وتعرف أجيال الشرطة الجدد، بخصال هذا الرجل، وتفانيه وحبه لمهنته، منذ أن كان ضابط شرطة عادي، حتى إحرازه على أعلى منصب كمراقب عام.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى